محمد بن المختار الشنقيطي
دخلت الثورة المصرية المجيدة ساعة الحسم، وتكثفت المساعي الداخلية والخارجية لاغتيال الثورة، أو سرقتها، أو تفريغها من مضمونها، وبدأ النظام المصري ينتقل من احتواء الثورة إلى اغتيالها. ويحتاج الثائرون اليوم الانتقال من إستراتيجية الاستنزاف إلى إستراتيجية الحسم، قبل فوات الأوان.
فقد بدأ النظام المصري باعتماد إستراتيجية الفوضى المنظمة، بدلا من مواجهة شعبه على الملإ، وهو ما يدل على جبنه وبلادة حسه، وتعتمد إستراتيجية الفوضى المنظمة على ركائز ثلاث:أولا: حل الجهاز الأمني وتحويله إلى جهاز إجرام سري، حاول في البداية ترويع عامة الناس وإشغالهم بأمن أسرهم عن أي مشاركة في الاحتجاج. وقد فشل هذا المسعى بعد تشكيل لجان التأمين الشعبي.
ثانيا: حصر المتظاهرين في حيز واحد -هو ميدان التحرير- والتخطيط لتبديدهم أو قمعهم داخل هذا الحيز، بدلا من مطاردتهم في كل شارع وزقاق.
ثالثا: استخدام حشود من هذا الجهاز السري الإجرامي في محاولات عنيفة لفك الاعتصام في ميدان التحرير، وهو ما فشل فشلا ذريعا أيضا، بعد أن تصدى الشباب المتظاهر لهؤلاء المندسين ببسالة.
ولم يعد أمام النظام الآن سوى التخلي عن أسلوب الفوضى المنظمة إلى استخدام كثافة النيران المكشوفة بعد فشل كل محاولات السيطرة المستترة على الميدان.
أما الثورة الشعبية فقد كانت إستراتيجيتها تعتمد -حتى الآن- أسلوب استنزاف النظام، وخلاصته تجنب أي احتكاك أو صدام مع النظام، مع المحافظة على الاحتجاجات بشكل دائم، حتى يذعن النظام لمطالب الشعب المصري، وهي إستراتيجية حققت للشعب الثائر بعض المكاسب المهمة، منها الحفاظ على الطاقة الثورية متجددة، وعدم إجهادها أو تبديدها بسرعة، والحفاظ على تعاطف بعض رجال الجيش وتفهمهم لأهداف الثورة، وبناء صورة سلمية زاهية للثورة، وتجنب مزيد من الدماء.
وبما أن النظام كشف عن وجهه السافر الآن، فيبدو أن الثورة الشعبية ستتخلى عن إستراتيجية الاستنزاف والانتقال إلى إستراتيجية الحسم، تجنبا لبحور من الدماء، وحصدا لثمرات جهدها المتراكم. ومما يسوغ الانتقال إلى إستراتيجية الحسم ضرورة توجيه ضربة قاضية للنظام المترنح قبل أن يسترد زمام المبادرة، ووأد جهوده في زرع الفوضى وشق الصفوف، واستخدام الطاقة الشعبية المتحصلة قبل خمودها.
ويرى بعض أهل الرأي أن إستراتيجية الحسم الجديدة التي بدأت تتجه إليها الثورة الشعبية سترتكز على ركائز ثلاث:
أولا: تنويع المظاهرات وتوزيعها في القاهرة وفي المحافظات، وعدم الانحصار في ميدان التحرير، فحصر الثورة في نقطة ارتكاز واحدة -هو ميدان التحرير- أصبح خطرا كبيرا عليها.ثانيا: السيطرة على بعض المؤسسات العامة ذات الرمزية العالية في القاهرة وبعض المحافظات، واتخاذها منبرا إعلاميا، يسقط هيبة النظام، ويظهر خروج الأمور من يده.
ثالثا: ثم بداية الزحف على مفاصل الدولة بعد ذلك. وهو أمر لن يجد الجيش بدا من المساهمة فيه، أو الوقوف على الحياد على الأقل.
لقد وفر ميدان التحرير للثورة الشعبية نقطة تلاق وارتكاز وإعلام مهمة كانت تحتاجها في ضوء تعطيل العديد من وسائل النقل والاتصال، ومن المهم جدا المحافظة على نقطة الارتكاز هذه، إلا أن حصر الثورة في نقطة واحدة جعلها في متناول النظام وفلوله. وهنالك مخاطر خنقها لو استمر الأمر على هذا الحال. فيجب توسيع الدائرة وبث الثورة في كل مكان تجنبا لهذا المسار الخطر.وبعد الاستيلاء على أي من هذه المؤسسات، ربما يتم استخدامها ركيزة انطلاق ومنبرا إعلاميا ينقل رسالة الثورة. وبالسيطرة على هذه المؤسسات ستحقق الثورة الشعبية نتائج معنوية كبيرة تضمن استمرارها، وتضع النظام في موقف دفاعي ضعيف، وتسلبه حرية المبادرة، وتعجل من تدخل الشرفاء من قادة الجيش لصالح الثورة، وتكسبها تعاطف المزيد من الجماهير التي ستقتنع بحتمية نجاح الثورة. كما أنه سيؤدي إلى إظهار عجز النظام وإسقاطه من أعين الشعب والداعمين الخارجيين.. وهو ما سيؤدي إلى سقوطه الفوري.
ولا يبدو أن المصريين الثائرين سيعولون من الآن فصاعدا على قيادة الجيش الحالية، أو انتظار تدخلها، بعدما أقنعتهم الأحداث بتواطؤ بعض قادة الجيش -على الأقل- مع نظام مبارك، حيث وفر هؤلاء الغطاء والتسهيل للهجمة الأمنية الفوضوية على المتظاهرين في ميدان التحرير، وللقناصة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين.
ومن الواضح أن بعض قادة الجيش يلعبون لعبة مزدوجة: فهم يريدون الحفاظ على صورتهم الزاهية في أذهان الشعب، مع مساعدة النظام على البقاء في ذات الوقت. وقد يكون بعض قادة الجيش متعاطفين مع الشعب، لكن لا يبدو أن هؤلاء يمسكون زمام الأمور اليوم. وقد تتطور الأمور في اتجاه تدخل هؤلاء لصالح الشعب إذا تم تصعيد الثورة واتجاهها وجهة الحسم، لكن ذلك لا يعني أن الشعب الثائر سينتظرهم أو يعول عليهم.
يبقى أن الثورة الشعبية المجيدة في مصر لن يتم لها الحسم الكامل دون الوعي باللعبة الدولية التي تسعى إلى احتوائها، وحرمان الشعب المصري من ثمراتها، من خلال وضع بديل لنظام مبارك يكون امتدادا له وحارسا للنفوذ الأميركي والهيمنة الإسرائيلية، ولا يهم الأميركيين استعباد ثمانين مليون مصري، إذا كان في ذلك شيء من النفوذ لأميركا، أو راحة البال للإسرائيليين.وليس سرا أن البديل الأميركي المفضل في مصر هو عمر سلميان الذي يثق فيه كل من الأميركيين والإسرائيليين ثقة مطلقة، ربما أكثر من حسني مبارك نفسه. فإذا تمهدت الأمور لحكم عمر سليمان، فسيكون ذلك اغتيالا لثورة مصر، وهدرا لتضحيات الشباب المصري المغوار الذي أشعل النار تحت أقدام الطغاة في مصر، وألهم الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان.
ولا بد أن شباب الثورة يفكر في نهايات الثورة وثمراتها من الآن، وهو لن يفسح المجال للمتسللين على أكتافه، من فلول نظام مبارك، وحلفاء أميركا وإسرائيل، الذين استعبدوا شعبهم ورهنوه للخارج، وهدموا مكانة مصر في العالم ورمزيتها في الوطن العربي.
ورغم أن هؤلاء الشباب يمدون اليد لكافة القوى السياسية النزيهة التي لم تتلطخ أيديها بالتعاون مع مبارك، أو تشريع نظامه، فلا يبدو أنهم سيرحبون بسليمان ورهطه خلفاء لمبارك.
إنها لحظة الحسم مع آخر الفراعنة، وهو حسم يبدو أنه سيكون شاملا، لا يفرق بين الفرعون وصحبه وجنده وحزبه، شعاره: "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين".
محمد بن المختار الشنقيطي
فقد بدأ النظام المصري باعتماد إستراتيجية الفوضى المنظمة، بدلا من مواجهة شعبه على الملإ، وهو ما يدل على جبنه وبلادة حسه، وتعتمد إستراتيجية الفوضى المنظمة على ركائز ثلاث:
ثانيا: حصر المتظاهرين في حيز واحد -هو ميدان التحرير- والتخطيط لتبديدهم أو قمعهم داخل هذا الحيز، بدلا من مطاردتهم في كل شارع وزقاق.
ثالثا: استخدام حشود من هذا الجهاز السري الإجرامي في محاولات عنيفة لفك الاعتصام في ميدان التحرير، وهو ما فشل فشلا ذريعا أيضا، بعد أن تصدى الشباب المتظاهر لهؤلاء المندسين ببسالة.
ولم يعد أمام النظام الآن سوى التخلي عن أسلوب الفوضى المنظمة إلى استخدام كثافة النيران المكشوفة بعد فشل كل محاولات السيطرة المستترة على الميدان.
أما الثورة الشعبية فقد كانت إستراتيجيتها تعتمد -حتى الآن- أسلوب استنزاف النظام، وخلاصته تجنب أي احتكاك أو صدام مع النظام، مع المحافظة على الاحتجاجات بشكل دائم، حتى يذعن النظام لمطالب الشعب المصري، وهي إستراتيجية حققت للشعب الثائر بعض المكاسب المهمة، منها الحفاظ على الطاقة الثورية متجددة، وعدم إجهادها أو تبديدها بسرعة، والحفاظ على تعاطف بعض رجال الجيش وتفهمهم لأهداف الثورة، وبناء صورة سلمية زاهية للثورة، وتجنب مزيد من الدماء.
وبما أن النظام كشف عن وجهه السافر الآن، فيبدو أن الثورة الشعبية ستتخلى عن إستراتيجية الاستنزاف والانتقال إلى إستراتيجية الحسم، تجنبا لبحور من الدماء، وحصدا لثمرات جهدها المتراكم. ومما يسوغ الانتقال إلى إستراتيجية الحسم ضرورة توجيه ضربة قاضية للنظام المترنح قبل أن يسترد زمام المبادرة، ووأد جهوده في زرع الفوضى وشق الصفوف، واستخدام الطاقة الشعبية المتحصلة قبل خمودها.
ويرى بعض أهل الرأي أن إستراتيجية الحسم الجديدة التي بدأت تتجه إليها الثورة الشعبية سترتكز على ركائز ثلاث:
أولا: تنويع المظاهرات وتوزيعها في القاهرة وفي المحافظات، وعدم الانحصار في ميدان التحرير، فحصر الثورة في نقطة ارتكاز واحدة -هو ميدان التحرير- أصبح خطرا كبيرا عليها.
ثالثا: ثم بداية الزحف على مفاصل الدولة بعد ذلك. وهو أمر لن يجد الجيش بدا من المساهمة فيه، أو الوقوف على الحياد على الأقل.
لقد وفر ميدان التحرير للثورة الشعبية نقطة تلاق وارتكاز وإعلام مهمة كانت تحتاجها في ضوء تعطيل العديد من وسائل النقل والاتصال، ومن المهم جدا المحافظة على نقطة الارتكاز هذه، إلا أن حصر الثورة في نقطة واحدة جعلها في متناول النظام وفلوله. وهنالك مخاطر خنقها لو استمر الأمر على هذا الحال. فيجب توسيع الدائرة وبث الثورة في كل مكان تجنبا لهذا المسار الخطر.
ولا يبدو أن المصريين الثائرين سيعولون من الآن فصاعدا على قيادة الجيش الحالية، أو انتظار تدخلها، بعدما أقنعتهم الأحداث بتواطؤ بعض قادة الجيش -على الأقل- مع نظام مبارك، حيث وفر هؤلاء الغطاء والتسهيل للهجمة الأمنية الفوضوية على المتظاهرين في ميدان التحرير، وللقناصة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين.
ومن الواضح أن بعض قادة الجيش يلعبون لعبة مزدوجة: فهم يريدون الحفاظ على صورتهم الزاهية في أذهان الشعب، مع مساعدة النظام على البقاء في ذات الوقت. وقد يكون بعض قادة الجيش متعاطفين مع الشعب، لكن لا يبدو أن هؤلاء يمسكون زمام الأمور اليوم. وقد تتطور الأمور في اتجاه تدخل هؤلاء لصالح الشعب إذا تم تصعيد الثورة واتجاهها وجهة الحسم، لكن ذلك لا يعني أن الشعب الثائر سينتظرهم أو يعول عليهم.
يبقى أن الثورة الشعبية المجيدة في مصر لن يتم لها الحسم الكامل دون الوعي باللعبة الدولية التي تسعى إلى احتوائها، وحرمان الشعب المصري من ثمراتها، من خلال وضع بديل لنظام مبارك يكون امتدادا له وحارسا للنفوذ الأميركي والهيمنة الإسرائيلية، ولا يهم الأميركيين استعباد ثمانين مليون مصري، إذا كان في ذلك شيء من النفوذ لأميركا، أو راحة البال للإسرائيليين.
ولا بد أن شباب الثورة يفكر في نهايات الثورة وثمراتها من الآن، وهو لن يفسح المجال للمتسللين على أكتافه، من فلول نظام مبارك، وحلفاء أميركا وإسرائيل، الذين استعبدوا شعبهم ورهنوه للخارج، وهدموا مكانة مصر في العالم ورمزيتها في الوطن العربي.
ورغم أن هؤلاء الشباب يمدون اليد لكافة القوى السياسية النزيهة التي لم تتلطخ أيديها بالتعاون مع مبارك، أو تشريع نظامه، فلا يبدو أنهم سيرحبون بسليمان ورهطه خلفاء لمبارك.
إنها لحظة الحسم مع آخر الفراعنة، وهو حسم يبدو أنه سيكون شاملا، لا يفرق بين الفرعون وصحبه وجنده وحزبه، شعاره: "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق